مر على تحرير ليبيا من المردوم معمر القذافي

الاثنين، مايو 13، 2013

مرحبا بعــودة الثــورة.. بقلم الدكتور/ فتحي الفاضلي



مرحبا بعودة الثورة
(المشهد السياسي في ليبيا)


بقلم الدكتور/ فتحي الفاضلي

ان تعود الثورة .. اشرف لنا.. واشرف للوطن.. واشرف للبلاد والعباد.. من ان يمتطي المجرمون اكفان الشهداء. 

القذافي كان لا يسمع، ولا يستمع، فاستمعوا الى اهالي الضحايا، الى الشعب، الى الفقراء، الى المظلومين، الى اهالي  الشهداء، استمعوا الى اسباب الثورة، استمعوا الى صوت الثورة، استمعوا الى الشارع، قبل ان ينفجر الشارع. 

الثورة التي ابهرت العالم، وحطمت اعتى ديكتاتوريات العصر، وهددت انظمة وعروش وتيجان وربطات اعناق وقبعات ونياشين واوسمة زائفة وصولجانات. الثورة التي ارعبت (بطبيعتها) انظمة العالم بدون استثناء، هذه الثورة لم تواصل مشوارها، لم تكمل مسارها، لم تنضج مراحلها، لم تقفل، بعد، ملفاتها. 

ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة ، توقفت، نامت، استراحت، استلقت، تراخت، تخدرت، بل تجمدت عقب انتخابات المؤتمر الوطني مباشرة. 

الازمات والكوارث والحروب، تعقبها مباشرة، مرحلة ما بعد الازمة، ما بعد الكارثة، ما بعد الحرب. الثورات ايضا، تعقبها، مباشرة، مرحلة ما بعد الثورة، مرحلة يتم فيها ابعاد او مطاردة او اعتقال او محاصرة او تحييد القوى المضادة للثورة، بجميع فئاتها، مهما كانت اسباب ودوافع وخلفيات عداوتها للثورة: مخاوف تلك الدوافع كانت، او اطماع، او فقدان مصالح، او فقدان سيادة، او بحث عن دور، او ادوار، او بسبب جرائم، وسرقات، وانتهاكات، اقترفوها في عهد الطاغية، او غير ذلك من اسباب الخوف من الثورة والثورات.  

هذه القوى لابد ان تُجمد، ان تُراقب، ان تُعاقب، ان تُطارد، ان تُعتقل، ان تُحيد، كل حسب درجة عداوته وافعاله وممارساته ضد الثورة والوطن والناس. خاصة اولئك الذين لم يفقدوا الامل في العودة الى ما قبل الثورة، ويحاولون بشتى الوسائل، سلميا وعسكريا، سرا وعلانية، صراحة او تقية، خداع  او كذب او تسلق او تمثيل. 

 مرحلة ما بعد الثورة، مرحلة تنظيف، وتطهير، وتطمين. مرحلة احلال الامن والامان والاستقرار، وتضميد الجراح، ولم الشمل، واعادة الحقوق، والقصاص العادل للضحايا والقتلى والمظلومين والشهداء. 

 هذه الخطوات، وغيرها، كان يجب ان تتم قبل ان تنتقل الثورة الى مرحلة  البناء، والا  ستعاني البلاد من فوضى عارمة قد تستمر لعشرات السنين، فوضى قد تكون نتائجها اسوأ مما يتوقع المتشائمون ومما يتمنى اشد الخصام. 

نحن تجاوزنا، او بالاحرى تجاهلنا، مرحلة ما بعد الثورة، بل وتجاوزنا ايضا مرحلة البناء، قفزنا من الثورة الى الدولة، دون اتمام المسار الطبيعي للثورات. 


كانت انتخابات المؤتمر الوطني ضرورة حتمتها المرحلة، وامتدادا لنجاح الثورة. كما كانت الانتخابات استجابة لمتطلبات محلية ودولية ايضا. كنا نطمع ايضا في استتباب الامن بعد الانتخابات، وعودة الحياة الى مجراها الطبيعي، بما في ذلك انتعاش الاقتصاد، وعودة الاعمال ورجال الاعمال، والشركات المحلية والاجنبية، للعمل والبناء والتشييد والتعمير والانتاج. 

كانت انتخابات المؤتمر الوطني ايضا، رسالة الى اعداء الثورة، بان الثورة ماضية وانها انتصرت. كانت انتخابات المؤتمر الوطني، خطوة نحو ترسيخ الثورة، لكننا استعجلنا في توقيت الانتخابات، فكانت النتيجة ان  وصل الى مواقع صناعة القرار من لا يستطيع صناعة القرار، ومن يمكن قيادته او استخدامه او استغلاله بسهولة. ليس ذلك فحسب، بل تسربت الى المؤتمر بعض القوى المضادة للثورة، تسرب مباشر او غير مباشر. الاستعجال بانتخابات المؤتمر كان خطأ قاتلا، ما زال الوطن يدفع ثمنه حتى يومنا هذا. 

ليس ذلك فحسب، بل استغلت قوى كثيرة هذا الامر. فحرفت، بقصد او بغير قصد، مهام المؤتمر او عطلتها او غيرتها او جمدتها او استغلتها او ميعتها في احيان اخرى. القوى التي كان يعول عليها الناس في ترشيد المؤتمر، في قيادة المؤتمر، في مساعدة المؤتمر، في بناء الوطن، في قيادة السفينة بسلام، هذه القوى كشرت عن اجندتها في السيطرة على مفاصل الوطن عبر  المؤتمر الوطني. السيطرة على  الوطن باي ثمن، بما في ذلك الاستعانة بالقوى المضادة للثورة، الاستعانة بمن مكن في السابق للطاغوت. الطاغوت الذي ذبح البلاد والعباد، الاستعانة بمن قامت الثورة لاستئصالهم. 

وبالطبع كان يجب ان يتصدى لهذه القوى، قوى اخرى، من داخل وخارج المؤتمر، وللاسف لم يكن هذا التصدي كما ينبغي، شكلا وحجما وموضوعا، فقفزنا الى الصراعات السياسية والفكرية والثقافية والحزبية. صراعات بين ما تسمى بالنخب والجماعات والاحزاب والتجمعات والقوى السياسية بمختلف اطيافها. 

هذه الصراعات، هي في الواقع صراعات مفهومة ومقبولة ومطلوبة ومرغوبة احيانا، بل تعتبر من سنن الحياة، ولكن في دولة مستقرة. هذه الصراعات هي صفة او مظهر من مظاهر الدولة المستقرة، وليست من مظاهر ما بعد الثورة. وهكذا دخلنا مبكرا وقسرا في ممارسات لا تصلح للمرحلة. 

قفزنا من الصراع من اجل الحرية، الى الصراع من اجل الحقائب والغنائم والمناصب، والسيطرة على مراكز القوى وعلى  مفاصل الوطن.

نفس الفخ وقع فيه العراقيون بعد الحرب، فبدلا من ان يضع العراقيون ايديهم في ايدي بعضهم البعض، ويبنوا العراق، التهوا، بدلا من ذلك، بالصراع السياسي والديني والثقافي والفكري والطائفي الى يومنا هذا. ودخلوا في نفق مظلم مغلق. نفق لا مخرج قريب منه، هذا ان كان له من مخرج. المانيا واليابان واوروبا والعالم الاخر، بعد الحروب العالمية، وضعوا  ايديهم في ايدي بعضهم البعض، وبنوا بلدانهم.، ثم التهوا بعد ان استقرت الدولة، بالصراعات السياسية والثقافية والفكرية.  

حكومتنا "المؤقتة"، وقعت في نفس الفخ، فخ الصراع المبكر. حكومتنا المؤقتة  طحنتها نفس الرحى، فتصرفت وكأنها حكومة غير مؤقتة، تجاوزت هي الاخرى المرحلة، تجاوزت الشارع، تجاوزت الداخل، تجاوزت مهامها التي تشكلت من اجلها. الحكومة المؤقتة مشغولة بامور عديدة اخرى، ربما كبلتها النتائج التي نجمت عن تجاوز المرحلة، لكنها ساهمت ايضا في تعقيد المشهد السياسي. بل كان خطابها في احيان كثيرة استفزازي، للوطن والثورة والناس. وصل احيانا الى درجة الوقاحة، غير المقصودة.  

الحكومة المؤقتة ركزت على الخارج، اكثر مما ركزت على الداخل. اهتمت بما يراه العالم لا ما يراه الشارع. وحتى الوزارات الني حاولت ان تركز على الداخل، وقعت، هي الاخرى، في حبائل الصراعات وتراكماتها، فتداخلت أولوياتها مما ادى الى  مزيد من الفوضى والاضطراب والتعقيد. 

قصور وتجاوزات المؤتمر من جهة، والحكومة المؤقتة، من جهة اخرى، ادى الى تسييس الآمنا وطموحاتنا واحلامنا، بل تسييس كل شيء، تسيس المعارضة، تسيس الثورة والثوار، تسييس الحقوق، تسيس المرحلة، تسييس المعاناة، تسييس الجرحى، تسييس الشهداء، تسييس الدم، تسييس القصاص، تمييع الاستعانة باعداء الثورة، الخطاب الاستفزازي، تهميش الشعب، تهميش الشباب الذين صنعوا الثورة، تهميش الشارع، صانع الثورة، واصل الثورة، ومنبع الثورة، وسبب الثورة، 

كانت احدى نتائج هذا التسييس البشع القبيح النتن، وهذا الصراع المبكر القذر، وعلى سبيل المثال فقط، ان فتحت الطريق امام الذين مكنوا للعهد الطاغوتي، بمختلف اشكالهم ومواقعهم واطماعهم ومستوياتهم، فتح الطريق امام المتسلق والطفيلي والطماع والجبان والقاتل، فتح الطريق امام السُراق، مصاصو الدماء الجرذان السمان، الذين امتصوا دماء الشعب من قبل، فتح الطريق امامهم مرة اخرى، فتح لهم باب الامل ليعودوا من جديد، ليتسلقوا، ليسرقوا، ليتمكنوا، ليمكنوا، ليجهضوا الثورة، ليقضوا عليها، ليسرقوها، ويسرقوا معها امل ليبيا والليبييين. 

بل وصل استهتار البعض بالثورة والشهداء والوطن، ان تغاضوا عن شخصيات، كان يجب ان تكون خلف القضبان، او كان يحب ان تُحاسب على الاقل، نراها ما زالت تطمع في الاستمرار في امتصاص دماء المواطن والناس والوطن، وستتمادى بالطبع الى محاولة اغتيال الثورة. 

شخصيات كانت تعيش في ترف وبذخ ضمن بطانة الطاغية. شخصيات كانت من علية القوم، نراهم اليوم يحاولون ان يمتطوا اكفان الشهداء. كانوا يسكنون مساكن الملوك، ويأكلون مما لذ وطاب، ويرتدون افخر الثياب، ويضعون افخر العطور، ويتلاعبون بالملايين، كانوا يجلسون على الارائك مع الطاغوت، يجالسونه وينافقونه ويتملقونه هو واولاده واسرته وعشيرته، بالكلمة والقلم والفعل واللسان، بل يتملقون حتى احذيته، ويعظمون كل همسة يقولها، وكل كلمة ينطقها، وكل حرف يبصقه على وجه الوطن.  كانوا يفعلون ذلك، عندما كانت امهات شهداء ابو سليم، يتظاهرن ضد الطاغوت، وعندما كان المواطن الليبي، في كل ريف وقرية ومدينة، يعاني الامرين من الفاقة والفقر والحاجة والذل. عندما كان الوطن يئن، كانوا هم على سرر متقابلين مع الطاغوت. 

مظاهر تجاوز المرحلة واحتقار الثورة لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل اضف الى ذلك: اللسان الرطب تجاه المجرمين، المصحوب بالخطاب الجاف تجاه الثوار، مع غياب الجوانب الخدمية الاساسية، واخماد صوت المطالبة بالحقوق، وتقريب المجرمين من مفاصل الدولة، والخطاب الاستفزازي، وتاخر او غياب عشرات الاجراءات والخطوات والمبادرات الاساسية والقرارات السهلة البسيطة السريعة (الاتخاذ والتنفيذ)، والتي يحتاجها المواطن والبلاد والوطن. فتعطل بذلك كل ما قامت من اجله الثورة. 

الذين صنعوا الثورة، الشعب، الناس، الثوار، الشارع، يريدون مواصلات تنقلهم الى مقار اعمالهم ومصادر ارزاقهم، وتنقل فلذات اكبادهم الى مدارسهم، يريدون شركات تنقل القمامة، وتنقذ الناس من التلوث والامراض، وتنظف المدن، يريدون طرق، يريدون ادوية، مستشفيات، قروض، تسهيلات، فرص عمل للشباب، معاهد، مؤسسات، تحتضن اجيال الثورة، يريدون تعليم لائق، من جميع جوانبه، يريدون خدمات، يريدون حقوقهم، يريدون مراقبة على الاطعمة، على الأسعار، يريدون شرطة، وجيش ونظام، يريدون التعامل الفوري مع مظالمهم، يريدون عيادة لائقة بالانسان، مستشفى لائق بالبشر، أدوية، وظائف، تعيينات، إعمار، يريدون امن، يريدون اساسيات الحياة، يريدون ابعاد المجرمين عن التغلغل في مفاصل الدولة من جديد، يريدون ان تنعكس الثروة على المواطن والبلاد والوطن، هذا بعض ما يريده  الشعب صانع الثورة، أي هذا ما يريده الوطن، فالوطن هو من صنع الثورة. اما الحكومة المؤقتة  فانها تتحدث عن امور اخرى. 

اليوم..

الاجواء مهيئة نظريا لتدخل ما، قد لا يكون تدخلا مباشرا. قد يكون انقلاب مدعوم من قوى تريد ضمان مصالحها. الاجواء مهيئة ايضا لمركزية مقيتة نتنة قبيحة. الاجواء مهيئة للدخول  في نفق مظلم مغلق، لا مخرج منه ، بسبب الصراعات التي تاكل الاخضر والاسود والرطب واليابس. الاجواء مهيئة ايضا للفدرالية، الاجواء مهيئة ايضا لفوضى، لفتنة لا اول لها ولا اخر.  

لكن الاجواء مهيئة ايضا لعودة الثورة. عودة الثورة الى مسارها الطبيعي. عودة الثورة الى اجواء ما قبل المؤتمر، الى مرحلة ما بعد الثورة. من اجل تثبيت وترسيخ واحلال ما قامت من اجله الثورة، وما بذلت من اجله الدماء، وما دفع الوطن ثمنه، مالا ووقتا وثروة وجهدا ورجالا.

ان تعود الثورة افضل مليون مرة واكثر، من ان يدخل الوطن في نفق مظلم مغلق. ان تعود الثورة افضل مليون مرة واكثر، من ان تضيع دماء الشهداء هباء. ان تعود الثورة افضل مليون مرة واكثر، من ان يمتطي المجرمون اكفان الشهداء، ويسرقون الثورة والثروة والوطن والبلاد، ويدفنون حقوق ومطالب ومظالم الناس والوطن الى الابد، فمرحبا، والف الف مليون مرحبا بعودة الثورة، الان الان وقبل غدا. والله المستعان على امره. 

د. فتحي الفاضلي
طرابلس- 4 مايو 2013م
___________________

fathifadhli@yahoo.com

هناك تعليق واحد:

  1. كلام جداً رائع أ. فتحي الفاضلي وتمنياتي لك بالتوفيق.

    ردحذف

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk